Admin
المدير العام
مشاركاتيے : 426 تقيميے/سمعتيے : 3 جنسيے : المهنة : المزاج : •متصفحي•| : نقآطيے : 10182 تاريخ التسجيل : 08/05/2012 العمر : 35 الاوسمة :
| موضوع: يا من تدعي محبته .. أين أنت من سنته ؟ * نصرة الرسول باتباع هديه و سنته * الجمعة ديسمبر 14, 2012 5:16 pm | |
|
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
إن الحمد لله نحمده و نستعينه تعالى و نستهديه و نعوذ به من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهديه الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له ..
ها نحن ذا نكمل معكم بفضل الله تعالى رواد منتديات محمد شريف و منتدى نور على نور خاصة ..
الهدي النبوي في الأكل :
ما من منحى من مناحي الحياة إلا وتحدث الهادي الأعظم عنها، تأمل قليلاً في سيرته تجده قد تحدث عن اللباس والمنام، والصلاة والتشريع، والأدب وغيرها بما يشفي الغليل، ويروي العليل، وهذا لأن دين الإسلام دين تكامل وواقعية، يُعنى بشؤون الحياة، ويربأ بأتباعه عن التبعية في التصرفات؛ ولذا يضع القواعد والمنهجية لهم ليسيروا وفق منهج النبوة الهادي إلى الرب سبحانه.
ها هو يتحدث إلى أصحابه عن منحى من مناحي حياتهم: إنه طعامهم، فيسوق لهم توجيهات في مواقف متعددة، ومناسبات شتى؛ يقول لغلام كانت يده تطيش في الصحفة بحنان المعلم المربي: ((يا غلام: سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك))، فيوقفه بذلك عند آداب عدة بأسلوب الحكيم؛ لتبقى تلك طُعمته في الحياة، وفي مشهد آخر يُنبِّه من فاته قطار التسمية بلزومه في وقت ذكره إياه فيقول: ((فإن نسي أن يذكر اسم الله فليقل: باسم الله أوله وآخره)).
ومن كمال نصحه، وعظيم بره؛ أن يدلهم على ما يُكتب لهم بسببه البركة في موائدهم فتارة يأمرهم أن يمسحوا الصحفة، وتارة يطلبهم أن يأكلوا من حوالي القصعة، ويخبر أن ذلك به تُلتمس البركة، وينهاهم عن أمور ربما تذهب البركة، وتزري بالمروة؛ فينهاهم عن الأكل من وسط القصعة ومن أعاليها...، وعند الضيافة يحثهم على انتقاء الضيف: ((لا يأكل طعامك إلا تقي)).
يأتيه أصحابه شاكين من نازلة ألمت بهم؛ فهم لا يلتمسون البركة في طعامهم، فيعالج الموقف معهم بتوضيح سببه يقول: ((لعلكم تتفرقون))، ثم يدلهم على الحل ليعقلوه فيقول: ((اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله؛ يبارك لكم فيه)).
يلقنهم أدب الإيثار فيحثهم إذا ما صنعوا طعاماً في قِدْرٍ أن يكثروا مرقه، وأن يتعهدوا الجيران، هذه شريعته ناصعة رائعة قامت على نبذ الأَثَرَة، ومناوأة الانكفاء على الذات، تجده يغرس في قلوبهم تعظيم هذه النعم، والسعي في حفظها بقوله: ((إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها، فليمط ما كان بها من أذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان))، وكان إذا دعاه أحد من صحابته قَبِلَ دعوته، ويأكل من ولائمهم، فإذا ما انتهى دعا لصاحبها: ((أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلَّت عليكم الملائكة)). فيا رعاك الله هذا هديه صلى الله عليه وسلم دل صحابته عليه، ولم يكن في منأى عنه؛ فاقتد تهتد .
الهدي النبوي في الشرب :
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند الشرب أن يقدم الأيمن فالأيمن في الشراب، فقد شرب ذات مرة لبناً وعن يساره أبو بكر رضي الله عنه، وعن يمينه أعرابي، فأعطى الأعرابي، ثم أبا بكر؛ وقال: ((الْأَيْمَنَ فَالْأَيْمَنَ)).
وكان يُنبذ له التمر أو الزبيب في الماء أول الليل ويشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء، والغد، والليلة الأخرى، والغد؛ إلى العصر، فإن بقي منه شيء سقاه الخادم، أو أمر به فصُبَّ، ولم يكن يشربه بعد ثلاث خوفاً من تغيره إلى الإسكار، لأن المسكر محرم شرعاً وكان يقول: ((مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)).
وكان ينهي عن الشرب من الثُلْمة والشق يكون في القدح، ونهى عن الشرب من فم السقا، وكان صلى الله عليه وسلم ينهى عن كسر فم السقا، ثم الشرب منه.
ومن هديه صلى الله عليه وسلم اجتناب الشرب أو الأكل في آنية الذهب والفضة، وأخبر بأن الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه ناراً، وكان يشرب اللبن خالصاً تارة، ومخلوطاً بالماء أخرى، وينهى عن شرب لبن الجلَّالة من الدواب التي تأكل القاذورات.
وأمر من سقط ذباب في إنائه أن يغمسه فيه ثم يشرب، فإن في أحد جناحية داء وفي الآخر دواء. وفق الله الجميع لاتباع سنته، ولزوم هديه.
الهدي النبوي في اللباس :
أمور حياتنا كلها محكومة برسالة السماء، ننظر إليها بميزان الشريعة الغراء، فما أمرنا به نبينا المبلغ عن ربه قلنا: سمعنا وأطعنا، وما نهانا عنه انزجرنا وارعوينا، حادينا في ذلك قول الرب جل جلاله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) .
والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم تترك شريعته الغراء شيئاً يتعلق بحياة الناس إلا جعلت له ضوابط تتوافق مع روح الدين، من ذلك اللباس؛ فقد جعل عليه الصلاة والسلام له أحكاماً وقيوداً لابد للمسلم أن يلزم غرزها، نص على ذلك في قواعد عامة يوم قال صلى الله عليه وسلم لمشيخة من الأنصار بِيض لحاهم: ((خالفوا أهل الكتاب))، ثم أوقفهم على جملة من تلك المخالفات في لباسهم يريد أن يربأ بهم عن التبعية، وأن يحثهم على الاستقلالية، لذا بالغ في الأمر بالمخالفة؛ حتى جعل المتشبه بهم من جنسهم فقال صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)).
ومعلوم من هديه عليه الصلاة والسلام كراهيته الشديدة للإسراف في كل شيء بما في ذلك اللباس، لذلك نهى عن المبالغة فيه فقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((كلوا، واشربوا، وتصدقوا، والبسوا في غير إسرافٍ ولا مخيلة))، فهذه الشريعة بقدر ما حثت على التجمل لكنها نأت بالمسلم أن يخرج به إلى حد الإفراط، أو يكون مدعاة للاعتداد بالنفس، أو يكون هذا التجمل على حساب الروح.
ومن عظيم شفقته بأمته أن حذرها في لباسها مما يبوئها محط الدركات، ويعرضها للفحات واللعنات، من ذلك: تشبه الرجال بالنساء، وجرِّ الثوب خيلاء، ولبس ثوب الشهرة أنفة وكبرياء. وفي مقامات أخرى: تجده ينهى عن المشي بنعل واحدة، ولبس المعصفر، وخالص الحمرة، والتختم بخاتم الذهب، ويخبر أن الذهب والحرير محرمان على ذكور أمته..
ولا يشك موحد بكمال نصحه لأمته، ولذلك لم يغفل ابنة حواء مما يعنيها ويخصها في هذا المقام؛ فنهاها عن التشبه بالرجال في اللباس، وعن لبس الضيق وما يشف من الثياب، وذكر أن من أصناف أهل النار: ((نساء كاسيات عــاريات مميلات مائلات))، وفُسِّر قوله: ((كاسيات
عــاريات )) بأنهن يكتسين بما لا يسترهن. فيا أيها السالك: اسلك مع نبيك حيث سلك، فإن هديه سفينة نوح من ركب معه نجا، ومن تركها هلك، والله يرعاك.
الهدي النبوي في الطيب :
إذا كان الحديث يطيب عندما يُصلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف لا تطيب المدينة على أيام النبيصلى الله عليه وسلم وفيها من ينعش نسيمها ، ويعطر أجواءها، ويجدد عبيرها، من يسبقه طيبه إلى حيث يقصد، ويبقى أثره إذا خرج، فهو من طابت به طيبة حياً وميتاً
إذا لم أطِب في طَيْبَةٍ عند طَيِّبٍ به طَيْبَةٌ طابت فأين أطِيب
هذا أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: "ما شممت عنبراً قط، ولا مسكاً، ولا شيئاً أطيب من ريح رسول اللهصلى الله عليه وسلم"، ولا نعجب مما قاله أنس فأم سُليم رضي الله عنها - أيضاً - كانت تجمع عرق النبي الكريم في قارورة فتجعله في طيبها، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ (أي نام نومة القيلولة) في بيتهم فعرق؛ فجاءت أم سليم بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا أم سليم ما هذا الذي تصنعين؟))، قالت: "هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب"، صدقت والله يا أم سليم إنه أطيب الطيب، فمع ما في جسده الشريف من الطيب إلا أنه كان لا يترك أن يتطيب بأطيب ما يجد من الطيب،
وقد كانت عائشة رضي الله عنها تطيب النبيصلى الله عليه وسلم بأطيب ما يجد؛ حتى إن بريق ولمعان الطيب يرى في رأسه ولحيته. طِيبٌ على طِيب؛ هكذا كان الحبيب، كانت حياته بين نوعين من الطيب: طيب معنوي يحمله في قلبه، ويسري في دمه؛ هو طيب الوحي من الكتاب والسنة، والدعوة إلى عبادة الله جل في علاه، وطيب حسِّي تفوح به جوارحه، وتعبق به ثيابه،
فأين المتطيبون حساً ومعنى؟ أين المقتدون ظاهراً وباطناً؟ أين المتبعون سراً وعلانية؟
الهدي النبوي في النوم : بعث الله سبحانه وتعالى إلى المسلمين رسولاً من أنفسهم، حريصاً عليهم، رحيماً بهم، خائفاً عليهم من كل شر، وبلغ من حرصه عليهم تحذيره من كل ما قد يؤذيهم حتى عند النوم،
فكان مما وجه به أمته أن على المسلم إن أراد النوم أن ينفض فراشه خشية أن يلقى فيه ما يكره، ثم يقول: ((باسمك ربِّ وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين))، يعلم أمته كيف تطلب الحفظ من ربها، وتتوكل عليه مع بذل السبب، وفعل الاحتياط،
وكان ينهى عن النوم على ظهر المنزل (السطوح) وليس ثمة جدار يرد النائم إذا تقلب، ويقول لمن خالف النهي: ((فقد برئت منه الذمة))،
ويحذر أمته مما يبغضه الجبار جل في علاه ومن ذلك النوم على البطن، فقد رأى من نام كذلك فحركه برجله عليه الصلاة والسلام، وقال له: ((إن هذه ضجعة يبغضها الله))،
ويأمر بالتفريق بين النائمين إذا بلغوا العاشرة من العمر ليصرف عن أمته شر الشهوات، ودواعي الفاحشة،
كما يأمر عند النوم بإطفاء النار والمصابيح، وتخمير الأطعمة والأشربة، وقلب الأواني، بأبي هو وأمي ما أرحمه وأشفقه.
ولما خاف على أمته من كيد الشيطان حثَّ على قراءة آية الكرسي عند النوم، وأمر عند الاستيقاظ بالاستنثار؛ لأن الشيطان يبيت على الخياشيم من بني آدم.
وها هو النبي الرحيم بأمته يرشدها إلى كل خير ينفعها في أمور دينها، ودنياها، وآخرتها، ويدلها على كل ما يقربها إلى ربها بأيسر السبل، وأقرب الطرق، ويعلمها ما تستعين به على طاعة ربها، وقضاء حوائجها،
ها هو يدل علياً وفاطمة رضي الله عنهما - وكل الأمة من بعدهما - إلى ما يعينهما على الخير فيقول: ((إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعاً وثلاثين، وتسبحا ثلاثاً وثلاثين، وتحمدا ثلاثاً وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم)).
فصلوات الله وسلامه عليك أيها الرحمة المهداة، والنعمة المسجاة، وعلى من اهتدى بهداك، وعمل بما أمرت، وانتهى عما نهيت، واقتفى أثرك، وسلك طريقك، وكان عليك من المصلين.
الهدي النبوي في الضحك :
سبحان الله من مِن البشر عُرفت حكمته في ضحكته؟! إذ الحكمة كما قيل: فعل ما ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الوقت الذي ينبغي، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحكاته في مواقفها المتعددة حكمٌ ناطقة بالفصل، إذ لم يكن ليضحك صلى الله عليه وسلم مجاملة في وجه أحد، كلا، ولا ليعبر عن خلقٍ مجرَّدٍ بابتسامة، حاشاه، لقد كان بحكمته المؤيدة بالنبوة يشري نفوس القادمين عليه، ويأسر ألبابهم حتى إنها لتبقى من أبرز الذكريات في نفوسهم، ولم تكن كذلك إلا وقد بلغت فيهم مبلغ الكلام الذي يسمعونه من فيه، فيؤثر بكلمته كما يؤثر بنظرته كما يؤثر بضحكته، وكما يغرس باللفظ معاني وأحكاماً يغرس بضحكه ذلك أيضاً،
وتارة يضحك صلى الله عليه وسلم فيفهم الناظرون له إقراره بمشروعية ما ضحك لأجله، فعن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب))، فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت إني سمعت الله يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً.
كما رسخ بضحكته الإسلام في قلب البائل في المسجد، ففقه في دين الله، ولما اتهم المنافقون زيد بن أرقم بالكذب ضحك صلى الله عليه وسلم عند نزول براءته ليواسي بابتسامته قلبه المكلوم، حتى قال: (فَمَا كَانَ يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الْخُلْدَ فِي الدُّنْيَا).
لقد وصل بضحكه شغاف القلوب، وقام مقام النفْس من النفْس، حتى إنه لأحب إلى الخلق من أنفسهم، إنها حكمةٌ نبوية استطاع أن يوصلها النبي صلى الله عليه وسلم بأيسر أسلوب ليعلِّم أمته من بعده أن المرء منا قد يصل إلى القلب بضحكته أسرع من كلمته، وأن الابتسامة تزرع في الوجوه حدائق خضراء، وترسم في النفوس لوحات الحب والجمال معاً.
الهدي النبوي في المزاح :
حياة المصطفىصلى الله عليه وسلم مثال رائع للحياة الإنسانية الكاملة، تراه في الخلوات يصلي ويخشع، يبكي ويتضرع، ويقوم حتى تتورم قدماه، وفي مواقف الحق لا يبالي بأحد في جنب الله، فإذا ما كان مع الناس بش وتبسم، وانبسط ولاطف، وروَّح عن نفسه وأراح غيره.
مواقفه في ذلك تفوح عبقاً، وتبرق ضياءً، وتزهو جلالاً مع أجناس شتى من الناس صغارا وكباراً، ذكوراً وإناثاً، لا يرى في ذلك مانعاً ما دام المقام يقتضى انبساط النفس، وأريحية الطبع، فها هي امرأة عجوز تطلبه أن يدعو الله لها أن يدخلها الجنة، فتبعثه نفسه الكبيرة أن يعيش معها جواً من الفكاهة والدعابة فيقول لها : ((الجنة لا تدخلها عجوز))، فتولي وهي باكية ، فيرسل صلى الله عليه وسلم في أثرها من يخبرها ((أنها لا تدخلها وهي عجوز)) ؛ لأن الله سبحانه أخبر أنه سيعيد العجائز يوم القيامة في الجنة أبكاراً متحببات إلى أزواجهن بالحلاوة، والظرافة، والملاحة.
هدي هداه الله إليه، ودلّه عليه، يعطي كل مقام حقه حتى لا يصلح في ذلك المقام إلا ما فعله، وإن شئت فاستعرض سيرته تأتيك بالأخبار ما لم تزود.
تجده يقطع روتين الحياة الزوجية مع أهله بمداعبة تَنُمُّ عن نفس عظيمة، فيسابق عائشة رضي الله عنها فتسبقه أولاً ويسبقها آخراً، لكنه يجبر خاطرها ويواسيها - كما هو هديه - بقوله: ((هذه بتلك السبقة)). وماذا أيضاً؟ يرسل إلى صواحباتها ليلعبن معها بالبنات (وهي التماثيل من الصوف التي يلعب بها الصغار)، ولا غضاضة فلكل مقام مقال.
وحتى الصغار الذين نغض طرفنا عنهم كان يداعبهم، فيمر ذات مرة على طفل لأبي طلحة يكنى بأبي عمير فيراه حزيناً- وكان إذا رآه مازحه- فيُخبر الطفلُ أنه مات نُغَرُه - طائر صغير - الذي كان يلعب به، فجعل رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: ((يا أبا عمير ما فعل النُّغَير)).
مشاهد ومواقف يعز نظيرها، وتتوق النفس لعيشها، فكأن النفوس إذا سمعت بمثل هذا تنادي وتهتف: فمن لي بهذا ليت أني صحبته فسامرته الساعات والسنوات
يا قوم: كل مزحة مكتوبة في دواوين الحديث على أنها سنة، وكل دعابة نقلها الرواة على أنها أثر وخلق من أخلاقه الشريفة تدعونا للاقتداء والاقتفاء بالنبي المجتبى.
الهدي النبوي في البكاء :
المطالع لسيرة النبي الكريمصلى الله عليه وسلم يعيش معها كأنه في روضة جميلة تفتقت فيها الزهور، وفاح في سمائها المسك، وجرت بين بساتينها الأنهار. دعونا نعيش في تلك الروضة بضع دقائق نستنشق الطيب، ونغترف من دره، لنسير جادِّين على هديه، في روضة اسمها هدي النبيصلى الله عليه وسلم في البكاء.
لقد كان بكائه عليه الصلاة والسلام هو بكاء الخائف من الله تبارك وتعالى، فها هي عبراته تسيل على خدّه شاهدة بتعظيمه لربّه، وتوقيره له، وخوفه منه، يقول عبد الله بن الشخِّير رضي الله عنه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولصدره أزيز كأزيز المِرجَل من البكاءِ، وتروي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها موقفاً آخر فتقول: "وقام ليلةً من الليالي فقال: ((يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي))، فتطهّر ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بلّ حِجره، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ لحيته، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بلّ الأرض، وجاء بلال رضي الله عنه يؤْذِنُه بالصلاة؛ فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فأجاب بكلمات خرجت مدويةً من الفؤاد: ((أَفَلَا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً؟)).
وهو يبكي أحياناً رحمة لوفاة قريب كما في بكائه على ولده إبراهيم، فهو بأبي وأمي صلى الله عليه وسلم صاحب القلب الرحيم الشفيق القائل: ((وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ))،
وربما بكى لفقد أصحابه كما في غزوة مؤتة حين نُعِيَ إليه أصحابه فقال وعيناه تذرفان الدمع: ((أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ...)).
وبكى عند زيارته قبر أمه آمنة بنت وهب حتى أبكى من حوله، كان صلى الله عليه وسلم رقيق القلب يبكي سريعاً؛ لكنه يبكي بدون صوت أو شهيق، فكانت عيناه تذرفان، ويسمع لصدره أزيز. هذا خلق نبينا الكريم فلنلتزم بهديه، ولنستقم على سنته؛ وفقنا الله لذلك.
الهدي النبوي في الفرح :
تتمايل الأشجار، وتتغنى الأطيار، وترتسم الفرحة على وجوه الكبار والصغار؛ حين تسمع بفرح الحبيب المختار، ففرحه فرح لمحبيه، وفرحه هدي لكل متبعيه، فهلمُّوا بنا يا أحباب لنتعرف على الأدب الكامل والهدي الجميل منه صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم يفرح إذا سمع خبراً يُصدِّق بعض ما أخبر به، فقد فرح صلى الله عليه وسلم بسماع قصة تميم الداري رضي الله عنه مع الدجال؛ لأنها كانت مصداقا لما أخبر به عن الدجال .
ويفرح عندما يرى منافسة ومسابقة الصحابة في طاعة الله، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد أتاه صلى الله عليه وسلم أناس فقراء في حالة تُبكي الفؤاد، وتُدمع العين، فقام صلى الله عليه وسلم يخطب في الناس، ويحثُّ على الصدقة، فما كان منهم إلا أن تسابقوا في ذلك حتى جمعوا شيئاً عظيماً من المتاع، فلما رأى ذلك صلى الله عليه وسلم تهلل وجهه صلى الله عليه وسلم كأنه مُذْهَبَةٌ.
ويفرح صلى الله عليه وسلم إن حصل لبعض أصحابه خير؛ كفرحه بتوبة الله تعالى على كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم.
وربما فرح صلى الله عليه وسلم بلقاء من يذكره بمن يحب؛ كما في قصة استئذان هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك، وقال: ((اللهم هالة)) أي اللهم اجعلها هالة.
وكذلك كان يفرح ويسر صلى الله عليه وسلم عند سماع الكلام الذي به نصرة دين الله، فإنه لما سمع من الصحابة قولهم له: "لا نقول كما قال قوم موسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقاتل عن يمينك، وعن يسارك، ومن بين يديك، ومن خلفك"؛ أشرق وجهه، وسره ذلك.
ولم يكن فرحه ينسيه أن يشكر نعم الله تعالى عليه، فكان إذا جاءه ما يفرحه سجد شكراً لله تعالى، مستشعرا بذلك نعمة الله عليه.
هذا هو الفرح النبوي الذي لا يُغفِل الحاجات البشرية، والمشاعر النفسية، وفي المقابل يعلق القلوب بالله عبودية وربانية، فهلموا بنا لنفرح ونسعد على منهجه، ونقتدي بسنته.
الهدي النبوي في المرض : في حياته عليه الصلاة والسلام تعقد المؤتمرات، وتحاك المؤامرات ضده عليه الصلاة والسلام، ولكنها تبوء بالفشل الذريع،
ومن تلك المؤامرات ما دبره يهود لاغتياله عليه الصلاة والسلام، فقد حثوا امرأة يهودية على استضافة رسول اللهعليه الصلاة والسلام، ودعوته لتناول طعام أعدته له، فلبى عليه الصلاة والسلام الدعوة، وذهب هو ومجموعة من الصحابة، فلما دخلوا قدمت لهم ذراع شاة مشوية قد سُم، فأدخل عليه الصلاة والسلام منه لقمة في فمه فأنطق الله الذراع، وأخبر النبيعليه الصلاة والسلام بأنه مسموم، فألقى عليه الصلاة والسلام اللقمة التي فمه، إلا أن ذلك السم كان قد أثر فيه عليه الصلاة والسلام حتى أنه تذكر ذلك عليه الصلاة والسلام عند مرضه الذي مات فيه؛ فقال: ((ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري (عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب)من ذلك السم)).
وفي مرضه أيضا تفقد بنته فاطمة؛ فلما ارتفع الضحى في آخر يوم من حياته عليه الصلاة والسلام دعا فاطمة رضي الله عنها فسارها بشيء، فبكت، ثم دعاها، فسارها بشيء فضحكت، قالت عائشة: فسألنا عن ذلك -أي فيما بعد- فقالت: سارني النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه، فبكيت، ثم سارني أني أول أهله يتبعه، فضحكت. وبشرها عليه الصلاة والسلام بأنها سيدة نساء العالمين.
وكذلك دعا الحسن والحسين رضي الله عنهما فقبلهما، وأوصي بهما خيرا، ودعا أيضا أزواجه فوعظهن، وذكرهن.. وأوصى كذلك بالأنصار خيرا، بقوله: ((أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي (أراد أنهم بطانته وموضع سره وأمانته، والذين يعتمد عليهم في أموره)، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم)).
وفي مرض موته أوصى عليه الصلاة والسلام بعدة وصايا من أهمها: الوصية بعمود الإسلام: الصلاة، وبالأنصار، وبالخدم والعبيد، وما إلى ذلك من الوصايا النبوية التي يجب على أمته أن ينفذوها ،
وأن يتمسكوا بدين الإسلام الحنيف الذي جاء به عليه الصلاة والسلام.
وفي أيامه الأخيرة يشتد به المرض، ويبلغ به مبلغاً عظيماً، ومع ذلك يحرص عليه الصلاة والسلام على سنة، لولا المشقة على أمته لأوجبها عليهم،
فقد رأى سواكا بيد عبد الرحمن بن أبي بكر، فأشار برأسه أنه يريده، فأخذته عائشة، ثم قصته، ثم ناولتهعليه الصلاة والسلام، فاستاك به. وكان آخر كلام تكلم به عليه الصلاة والسلام أن قال: ((مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين))). ((اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى )) ((اللهم في الرفيق الأعلى)). ثم مالت يده، ولحق ذلك الجسد الطاهر بالرفيق الأعلى، صلى الله عليه وسلم.
| |
|